مديونية الجزائر الخارجية: رد لاذع على خطاب تبون السيادي

انعطافة محرجة أعلن البنك الإسلامي للتنمية مؤخراً عن برنامج قرض كبير للجزائر، بقيمة ثلاثة مليارات دولار على مدى ثلاث سنوات.
ويتناقض هذا الإعلان تناقضاً مباشراً مع الموقف الذي لطالما ردده الرئيس عبد المجيد تبون الذي لطالما أكد أن الجزائر لن تلجأ أبداً إلى الاستدانة الخارجية. ويثير هذا القرار بحق العديد من التساؤلات.
وفي تصريح لقناة النهار الجزائرية، قال رئيس البنك الإسلامي للتنمية محمد سليمان الجاسر إن التمويل سيستخدم لدعم مشاريع تنموية كبرى، خاصة في قطاع السكك الحديدية، وذلك في إطار خطة الرئيس لربط المناطق الاقتصادية في البلاد.
ومن بين هذه المشاريع خط سكة حديد الجزائر العاصمة – تمنراست، الذي يزيد طوله عن 2000 كيلومتر، والذي ذكره تبون نفسه لأول مرة في خطاب مرتجل في تمنراست خلال الحملة الانتخابية في ديسمبر 2019. وهو وعد انتخابي لم تتم دراسته بجدية من الناحية الفنية والاقتصادية.
وقد حاول الرئيس منذ ذلك الحين تبرير جدوى المشروع بعد أن تم التشكيك في هذا الالتزام، وذهب إلى حد الادعاء في مرحلة ما بأن قطر ستدفع تكاليف بنائه. وقد اضطر الآن إلى السعي للحصول على قرض من البنك الإسلامي للتنمية، متراجعًا بذلك عن خطوطه الحمراء.
إن قرضاً غير متناسب لمشروع خيالي يسعى للحصول على ثلاثة مليارات دولار كتمويل خارجي في وقت يتوجس فيه الناس من الديون الدولية هو أمر غير متناسب، على أقل تقدير، من أكثر من ناحية.
أولاً، يبدو أنه لم يتم إجراء أي دراسة جادة لتحديد الربحية أو الجداول الزمنية أو الموارد الفنية اللازمة لبناء هذا الخط الحديدي – الذي تم تقديمه كقطار فائق السرعة في بلد يعاني بالفعل من أجل صيانة خطوطه الحالية.
ثانياً، ما هي الفائدة الاستراتيجية أو الاقتصادية من ربط العاصمة بمنطقة صحراوية قليلة السكان، بتكلفة باهظة؟ يبدو هذا المشروع أشبه بنزوة انتخابية أكثر من كونه أولوية تنموية في بلد يفتقر بشدة إلى البنية التحتية الأساسية.
وعود تناقضها الوقائع يأتي هذا اللجوء إلى الاستدانة الخارجية في الوقت الذي دأب فيه الرئيس تبون على تقديم رفض الديون الخارجية كمبدأ غير ملموس. ففي مايو/أيار 2024، قال في كلمة ألقاها أمام كبار ضباط الجيش: “هذه المشكلة يعرقلها من يعرقلها”، في إشارة إلى الديون الداخلية، قبل أن يضيف: “من يشعر أن عليه ديناً ما عليه إلا أن يحضر لتحصيله”. واختتم بعبارة أصبحت مشهورة: “أن تستدين يعني أن تتخلى عن السيادة”.
هذا الخطاب، الذي جعل من الاستقلالية المالية رمزًا للقوة الوطنية، تقوضه الحقائق الآن. فالجزائر تستعد حقًا للاستدانة من مؤسسة دولية، على الرغم من تبنيها موقفًا سياديًا لسنوات.
دين محلي ضخم ولكنه غير مرئي يحب الرئيس أن يشير إلى أن الجزائر ليست مثقلة بدين خارجي، وهذا صحيح جزئيًا. لكن ما لا يذكره هو أن الدين العام الجزائري هو في الأساس دين محلي وكبير.
وفقًا لمشروع قانون المالية لعام 2025، بلغ الدين المحلي 15,795.66 مليار دينار في 30 يونيو 2024، أو 99.32% من إجمالي الدين العام المحدد بـ 16,841.09 مليار دينار. ويمثل هذا المبلغ 117.9 مليار دولار أمريكي بالسعر الرسمي (134 مليار دينار جزائري/دولار أمريكي)، ولكنه يمثل 68.7 مليار دولار أمريكي فقط بسعر السوق الموازية (حوالي 230 مليار دينار جزائري/دولار أمريكي)، وهو أقرب إلى الواقع الاقتصادي.
ويعكس هيكل هذه الديون الاختلالات العميقة في الاقتصاد الجزائري: 71.71% منها عبارة عن ديون إعادة التنظيم، وهي مرتبطة بعجز الشركات العامة، و28.29% ديون جارية مخصصة لتمويل ميزانية تشغيل الدولة.
في نهاية عام 2024، كان هذا الدين يعادل ما يقرب من 50% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو مستوى لا يزال يعتبر مستدامًا، ولكنه يخفي ديناميكية مثيرة للقلق، خاصة وأن البلد ليس لديه آلية موثوقة لخفض ديونه أو تعزيز الإنتاج.
خطاب اقتصادي غير متماسك على نحو متزايد هذا التحول في الخطاب الاقتصادي ليس مجرد تناقض سياسي: فهو يقوض مصداقية الخطاب الرسمي. فمن خلال الربط بين المديونية الخارجية والخضوع للقوى الدولية، بنى تبون خطابًا سياديًا أفرغ من مضمونه.
وبالاقتراض من البنك الإسلامي للتنمية، تكون الحكومة الجزائرية قد أبطلت بذلك ما كانت تتشدق به من أن الدول الأفريقية تعتمد على المانحين الدوليين. وتنضم الجزائر الآن إلى هذا النادي دون أن تتحمل مسؤولياتها بالكامل.
نقطة تحول يمليها المناخ الاقتصادي يحدث هذا التحول في ظل ظروف اقتصادية حرجة، تفاقمت بسبب انخفاض أسعار النفط. في 3 مايو 2025، أعلنت منظمة أوبك + عن زيادة الإنتاج بمقدار 411,000 برميل يوميًا، مما أدى إلى هبوط فوري في الأسعار. وانخفض خام برنت إلى 59.10 دولارًا أمريكيًا وخام غرب تكساس الوسيط إلى 55.68 دولارًا أمريكيًا، وهي مستويات أقل بكثير من نقطة التعادل التي حددتها الجزائر والتي تقدر بحوالي 80 دولارًا أمريكيًا للبرميل.
وفي ظل اقتصاد غير متنوع يعتمد بنسبة تزيد عن 90% على المحروقات، تتقلص مساحة المناورة في الميزانية بسرعة. وتجد الجزائر نفسها محاصرة في الحلق، مجبرة على اللجوء إلى التمويل الخارجي الذي كانت تستنكره بالأمس القريب.
تقويض السيادة بسبب الاعتماد على الطاقة يكشف انخفاض عائدات النفط عن ضعف هيكلي. فقد فشلت جميع خطط التنويع الاقتصادي التي أُعلن عنها على مدى السنوات العشرين الماضية. ولا تزال الجزائر غير قادرة على إنتاج قيمة خارج النفط والغاز، مما يجعلها شديدة الحساسية للصدمات الخارجية.
وبدلًا من توقع هذه المخاطر، يبدو أن الحكومة تكتشفها بعد فوات الأوان، وتستسلم للذعر من الميزانية بدلًا من تنفيذ إصلاحات جوهرية.
نهاية الوهم السيادي
يمثل الإعلان عن قرض البنك الإسلامي للتنمية نقطة تحول كبيرة في الإدارة الاقتصادية الجزائرية. فهو يختم انهيار الموقف الإيديولوجي الذي جعل من رفض المديونية طوطمًا سياسيًا.
على المدى القصير، يمكن أن يتيح هذا القرض تمويل بعض مشاريع البنية التحتية. ولكن على المدى المتوسط والطويل، فإنه يمهد الطريق لزيادة التبعية، في ظل غياب خطة إنعاش اقتصادي حقيقية. السيادة لا تُعلن بالأقوال، بل بالأفعال.
بقلم هشام عبود