تـونـس

تونس بين الأمن والديمقراطية: اختبار حاسم للمستقبل

يعيش المجتمع التونسي اليوم مرحلة دقيقة في تاريخه السياسي، حيث تجد الدولة نفسها في مواجهة تحديات مركّبة تمثلت في مسلسل اعتقال المعارضين وأزمة المهاجرين غير الشرعيين. هذه التحديات قد تؤثر بشكل كبير على المسار الديمقراطي الذي بدأ التأسيس له بعد ثورة 2011، ويُنظر إليها كاختبار حاسم لقدرة الدولة التونسية على الموازنة بين ضرورة الحفاظ على الأمن من جهة، وضمان الاستحقاقات الديمقراطية من جهة أخرى.

منذ وصول الرئيس قيس سعيد إلى السلطة، شهدت البلاد تطورات دراماتيكية، كان أبرزها حملة الاعتقالات التي استهدفت العديد من الشخصيات السياسية المعارضة والمفكرين والمواطنين الذين يعبرون عن رفضهم للسياسات الحكومية. هذه الحملة أثارت جدلاً واسعًا في الداخل والخارج، بين من يرى فيها خطوة ضرورية لحماية الاستقرار الوطني ومن يعتبرها قمعًا للحريات ومساسًا بالديمقراطية التي جاءت بها الثورة. في الوقت ذاته، تصاعدت أزمة الهجرة غير الشرعية التي تشهدها تونس نتيجة للوضع الاقتصادي والاجتماعي المتأزم، حيث أصبح المهاجرون القادمين من بلدان أخرى، وخاصة من دول إفريقيا جنوب الصحراء، يشكلون عبئًا إضافيًا على النظام السياسي والاقتصادي في البلاد.

وفي غياب توافق وطني وحوار شامل بين مختلف الأطياف السياسية والمجتمع المدني، تزداد المخاوف من اتساع الفجوة بين السلطة والشعب. يعتقد المحللون أن هذا الفشل في بناء توافق قد يؤدي إلى إعادة إنتاج نموذج استبدادي في تونس، في وقت كان من المفترض أن تكون البلاد قد تجاوزت فيه هذه المرحلة بعد ثورة 2011. النقص في الحوار الوطني قد يعزز من التوترات الاجتماعية والسياسية، ويزيد من القلق حول مستقبل الديمقراطية في مهد “الربيع العربي”.

تواجه تونس اليوم ضرورة ملحة في تحقيق توازن بين مصلحة الأمن الوطني وضمان الحقوق والحريات. لا يمكن إنكار أن تونس بحاجة إلى إجراءات فعّالة لمكافحة الفساد والتطرف، ولكن في الوقت ذاته يجب أن تبقى المسار الديمقراطي وحماية الحقوق الأساسية للمواطنين في صدارة الأولويات. يبقى السؤال الأهم: هل ستتمكن الدولة التونسية من استعادة التوازن بين استحقاقات الأمن وحماية الحريات، أم أن غياب الحوار والتوافق سيقودها إلى التفريط في مكتسبات الثورة؟ هذا ما سيحدد، بلا شك، مصير الديمقراطية التونسية في المرحلة المقبلة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى