الحرب الباردة في المغرب الكبير: التنافس بين المغرب والجزائر

المغرب، الحليف الوفي للولايات المتحدة منذ عام 1786، والجزائر، التي تربطها علاقات قوية مع روسيا والصين بسبب موقفها المناهض للاستعمار، يتنافسان منذ فترة طويلة. وقد أدت هذه التوترات إلى قيام البلدين بتنفيذ برامج كبيرة لتحديث الجيش وجهود دبلوماسية استراتيجية. النقطة المحورية في نزاعهما هي منطقة الصحراء الغربية، التي يعتبرها المغرب جزءًا من أراضيه، بينما تدعم الجزائر السعي نحو استقلال المنطقة.

 

الخلفية التاريخية والشك لفهم طبيعة التنافس بين المغرب والجزائر، من الضروري العودة إلى ماضيهما التاريخي. تشترك الدولتان في تراث ثقافي ولغوي أمازيغي مشترك، وتم فتحهما من قبل الجيوش الإسلامية في القرن السابع. ومع ذلك، اختلفت مساراتهما بشكل كبير خلال الفترة الاستعمارية تحت الحكم الفرنسي.

 

تجارب استعمارية متباينة الجزائر أُلحقت كإقليم تابع لفرنسا، وخضعت لشكل أكثر كثافة ومباشرة من السيطرة الاستعمارية. أدى ذلك إلى نشوء مقاومة قوية ضد النفوذ الغربي ودعم قوي لحركات الاستقلال. في المقابل، أصبح المغرب محمية فرنسية لاحقًا، واحتفظ بجزء أكبر من سيادته وتبنى موقفًا تعاونيًا تجاه القوى الغربية.

 

حرب الرمال والصحراء الغربية لم تُرسم الحدود بين المغرب والجزائر رسميًا حتى القرن العشرين. عندما حصل المغرب على استقلاله من فرنسا في عام 1956، طالب باستعادة أراضٍ مثل بشار وتندوف التي كانت تحت السيطرة الفرنسية ولكنها كانت تُعتبر تقليديًا جزءًا من المغرب. أدى هذا النزاع إلى حرب الرمال القصيرة ولكن الحادة في عام 1963، حيث توقفت التقدمات المغربية الأولية أمام مقاومة الجزائر الشرسة، بدعم من القوات الكوبية. رسّخ الصراع مناخًا دائمًا من الشك بين البلدين، وأهم نتائجه كانت قضية الصحراء الغربية.

 

الصحراء الغربية: نقطة النزاع الصحراء الغربية، منطقة تقع بين جنوب المغرب وموريتانيا، هي النقطة المركزية في النزاع بين المغرب والجزائر. يعتبر المغرب الصحراء الغربية جزءًا لا يتجزأ من مملكته، في حين يرفض الصحراويون هذا الادعاء ويسعون إلى الاستقلال. عندما تنازلت إسبانيا عن مطالبها الاستعمارية في عام 1975، نظم المغرب “المسيرة الخضراء”، وأرسل 350,000 مغربي إلى الصحراء الغربية لتأكيد مطالبته، ما أدى فعليًا إلى ضم المنطقة.

 

جبهة البوليساريو ردًا على ذلك، أسس الصحراويون جبهة البوليساريو، وهي منظمة سياسية عسكرية تهدف إلى تحقيق استقلال الصحراء الغربية. دعمت الجزائر، التي كانت بالفعل في صراع مع المغرب حول الحدود، جبهة البوليساريو ماليًا وعسكريًا، واستضافت عددًا كبيرًا من اللاجئين الصحراويين في مخيمات بتندوف. كان لهذا الدعم دور كبير في استمرار التوترات بين البلدين، مما دفع الجزائر إلى إغلاق حدودها مع المغرب في عام 1994.

 

التحديث العسكري والمناورات الدبلوماسية التحديث العسكري في المغرب منذ استقلاله، طور المغرب علاقة خاصة مع الولايات المتحدة، ليصبح حليفًا رئيسيًا خارج الناتو في عام 2004 ووقّع اتفاقية للتجارة الحرة في عام 2006. تهدف مبادرة “رؤية 2030” المغربية إلى تعزيز قدراتها العسكرية لتتماشى مع المعايير الأمريكية ومعايير الناتو. خُصص برنامجها 17 مليار دولار لشراء أسلحة متقدمة، بما في ذلك دبابات M1A1 Abrams، HIMARS، طائرات مقاتلة F-16، وطائرات بدون طيار MQ-9B Guardian، مما جعل الجيش المغربي نسخة صغيرة من الجيش الأمريكي.

 

الإنجازات الدبلوماسية كانت المناورات الدبلوماسية للمغرب ذات أهمية كبيرة أيضًا. في عام 2020، قام بتطبيع علاقاته مع إسرائيل كجزء من اتفاقية توسطت فيها الولايات المتحدة، مقابل اعتراف الولايات المتحدة بسيادته على الصحراء الغربية. عززت هذه المبادرة من الشرعية الدولية للمغرب وجهوده في التحديث الاقتصادي.

 

استراتيجية الجزائر العسكرية والدبلوماسية في المقابل، تحتفظ الجزائر بالجيش الثاني الأكبر في أفريقيا ولديها أكبر ميزانية دفاعية في القارة. تحصل على معظم معداتها العسكرية من روسيا والصين. ردًا على التحديث العسكري في المغرب، وقعت الجزائر عقدًا كبيرًا مع روسيا في عام 2022 للحصول على تقنيات عسكرية متقدمة، بما في ذلك غواصات وطائرات شبحية. كما تعد الجزائر جزءًا مهمًا من مبادرة الحزام والطريق الصينية، حيث تستثمر الصين بشكل كبير في البنية التحتية والطاقة والتقنيات الناشئة.

 

الرافعة الاقتصادية والعودة الدبلوماسية وفرت احتياطيات الغاز الطبيعي للجزائر رافعة اقتصادية كبيرة، لا سيما في سياق الأزمة الأوكرانية، حيث تسعى أوروبا إلى مصادر بديلة للطاقة. أدى ذلك إلى تحقيق فائض في الميزانية وزيادة في الاحتياطيات الدولية. اتخذت الحكومة الجزائرية الجديدة خطوات للخروج من عزلتها الدبلوماسية، بما في ذلك تعديل الدستور للسماح بالانتشار العسكري في الخارج، وزيادة المشاركة في عمليات حفظ السلام برعاية الاتحاد الأفريقي وغيرها من المنظمات الدولية.

 

السيطرة والموارد تستفيد أيضًا النخبة العسكرية الجزائرية من هذا التنافس، حيث تستخدم التوتر مع المغرب لتبرير سيطرتها على الجزائر ومواردها. من خلال الحفاظ على جو من الصراع، تعزز النخبة العسكرية الجزائرية سيطرتها على البلاد، مما يضمن الوصول المستمر إلى الثروات الطبيعية ومصادر القوة. يؤدي هذا إلى استمرار دورة من الاعتماد وانعدام الثقة، حيث تُستخدم التوترات الإقليمية كأداة لترسيخ السلطة الداخلية.

 

تصاعد التوترات والتداعيات الدولية مجلس الأمن الدولي والاتحاد الأفريقي يمكّن المقعد المؤقت للجزائر في مجلس الأمن الدولي للفترة 2024-2025 من الدفع نحو إصلاحات قد تعيد تشكيل قضية الصحراء الغربية، مما يزيد من التوترات مع المغرب. من المرجح أن تستمر الاستفزازات بين الدولتين، بدءًا من الخطاب في المحافل الدولية إلى التدريبات العسكرية على طول حدودهما المشتركة. في عام 2022، شكّل البلدان 74% من إجمالي الإنفاق العسكري في شمال أفريقيا، مما يعكس التزامهما بإظهار قوتهما ودعم مواقفهما الدبلوماسية.

 

المصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة تجد الولايات المتحدة نفسها في موقف حساس، إذ يجب عليها الموازنة بين تحالفها الطويل الأمد مع المغرب مع تعزيز التعاون مع الجزائر لضمان أمن الطاقة في أوروبا. ركزت الدبلوماسية الأمريكية على الحفاظ على روابط قوية في مجالات الأمن ومكافحة الإرهاب مع الجزائر، مع استمرار دعم العملية التي تقودها الأمم المتحدة لحل نزاع الصحراء الغربية، مع الحفاظ على اعترافها بسيادة المغرب على المنطقة.

 

تأثير الصراع بين إسرائيل وحماس أدى اندلاع الحرب بين إسرائيل وحماس إلى تعقيد العلاقات الدبلوماسية للمغرب مع إسرائيل. أعيد إحياء دعم المغرب للقضية الفلسطينية، مما أدى إلى انتقادات للاحتلال الإسرائيلي في غزة، وتوخي الحذر بشأن كيفية تصور الجمهور لعلاقاته مع إسرائيل.

 

دعوة إلى العمل: الحفاظ على السلام تشكل “الحرب الباردة” المستمرة بين المغرب والجزائر تحديات كبيرة للبلدين وللمنطقة بشكل عام. إنها تبطئ التنمية الاقتصادية وتهدد بتقويض المبادرات الدبلوماسية مثل اتفاقيات أبراهام. ومع ذلك، لا يرغب أي من البلدين في حرب شاملة، إذ يدركان أنها ستجلب أكثر من مجرد ضرر.

 

دور الدبلوماسية والتعاون لا تزال الدبلوماسية الطريق الأكثر فعالية. يجب أن يواصل المغرب والجزائر الحوار والسعي لإيجاد حلول سلمية لنزاعاتهما. يمكن للجهات الفاعلة الدولية، بما في ذلك الولايات المتحدة والأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي، أن تلعب أدوارًا حيوية في تسهيل المفاوضات وضمان عدم تصعيد التوترات إلى صراع مفتوح.

 

نداء إلى الجزائريين والمغاربة إلى شعبي الجزائر والمغرب: بلدانكما على مفترق طرق. لا يجب أن يحدد التنافس الذي ميز علاقاتكما لعقود مستقبلكما. حان الوقت لتجاوز الخلافات التاريخية والعمل من أجل التعايش السلمي. طريق السلام يتطلب الشجاعة والفهم والالتزام بالحوار.

 

الخاتمة الرهانات كبيرة، لكن الفوائد المحتملة للسلام هائلة. يمكن لشمال أفريقيا المستقر والمتعاون أن يصبح منارة للتقدم والازدهار. من خلال تبني السلام، يمكن للبلدين إطلاق إمكاناتهما الكاملة والمساهمة في مستقبل أكثر أمانًا وازدهارًا للجميع.

 

في اقتباس من الذين يسعون إلى السلام بدلاً من الصراع: دعونا نحارب للحفاظ على السلام، مهما كانت التكلفة، ومهما كان العبء. مستقبل الجزائر والمغرب يعتمد على ذلك.

خالد بولعزيز

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى