الـجـزائـر

عاجز عن الحكم، النظام الجزائري الخارج عن القانون يشرعن إرهاب الدولة

مشروع قانون يخضع حاليًا للدراسة من قبل البرلمان الجزائري يثير موجة من الصدمة بين صفوف المحامين والمدافعين عن حقوق الإنسان ومنظمات المجتمع المدني، الذين يحذرون من انقلاب جذري في النظام القضائي لصالح سلطة الدولة دون أي رقابة، مما يترك المواطن الجزائري دون حماية.

وقد قدم وزير العدل، بوجمعة لطفي، مشروع قانون الإجراءات الجنائية الجديد، والذي تم تجاهله تمامًا من قبل وسائل الإعلام الرسمية رغم ما يحمله من آثار خطيرة وعميقة على حياة الجزائريين، تحت شعار “التحديث”.
غير أن الخبراء القانونيين يرون أن المشروع يمثل في حقيقته تحولًا نحو دولة رقابة كاملة، حيث تُقوّض حقوق الدفاع، ويفقد مبدأ قرينة البراءة، وتُغيب الشفافية القضائية.

في الصورة: أعضاء البرلمان الجزائري المكلفون بمشروع قانون الإجراءات الجنائية.
رغم ظهوره المعتاد في وسائل إعلام الدعاية الرسمية، فقد التزم هشام صيفر، رئيس لجنة الشؤون القانونية والإدارية والحريات (وسط الصورة)، الصمت حيال هذا المشروع المثير للجدل، في إشارة إلى رغبة متعمدة في خنق النقاش العام مع تنامي الوعي الشعبي بخطورة هذا النص.
على اليسار: بوغطوشة زكية، نائبة رئيس اللجنة.
على اليمين: رشيد ميلودي، مقرر اللجنة.

في قلب المشكلة، هناك عدة مواد أساسية في المشروع تعمل مجتمعةً على تفكيك الحماية القانونية الأساسية:

  • التجسس على مكالماتك واقتحام منزلك:
    المادة 100 تخول للنيابة العامة التنصت على مكالماتك الهاتفية وزرع ميكروفونات أو كاميرات خفية داخل منزلك دون موافقتك.
    على سبيل المثال: تجري اتصالًا مع صديق من غرفة المعيشة للشكوى من ارتفاع الأسعار، فيتم تسجيل مكالمتك أو اقتحام منزلك سرا لزرع أجهزة تنصت دون علمك.

  • تجميد حساباتك المصرفية دون توجيه تهمة:
    المادة 49 مكرر 1 تخول للنيابة تجميد حساباتك البنكية ومصادرة ممتلكاتك أثناء التحقيق الابتدائي بناءً على “شبهة قوية” فقط، دون توجيه اتهام رسمي.
    على سبيل المثال: تتلقى اتهامًا بارتكاب “جرائم اقتصادية”، فتجد نفسك صباحًا عاجزًا عن استخدام بطاقتك المصرفية، دون محاكمة أو دفاع.

  • نشر اسمك وصورتك رغم براءتك:
    المادة 19 تتيح للنيابة العامة نشر معلوماتك الشخصية أثناء التحقيق بحجة “الحفاظ على النظام العام”.
    على سبيل المثال: بناءً على شائعة فقط، يتم نشر صورتك في وسائل الإعلام كمشتبه به، حتى وإن ثبتت براءتك لاحقًا، فإن سمعتك وحياتك تكونان قد دُمِّرتا.

  • احتجازك لعشرة أيام دون توجيه اتهام:
    المادة 78 تمدد مدة الحبس الاحتياطي إلى عشرة أيام في قضايا “أمن الدولة”، وهي عبارة غامضة.
    على سبيل المثال: تقوم بانتقاد الحكومة عبر الإنترنت، فتُعتقل بتهمة “تهديد الأمن القومي” وتُختفي لمدة تفوق الأسبوع دون توجيه تهمة أو محاكمة.

  • منح صلاحيات شرطية للاستخبارات العسكرية:
    المادتان 23 و24 تمنحان أجهزة الاستخبارات العسكرية (الاستخبارات العسكرية) صلاحيات توازي صلاحيات الشرطة المدنية على المستوى الوطني.
    على سبيل المثال: قد يتم اعتقالك من قبل عناصر عسكرية بدلاً من رجال الشرطة، مع تراجع الضمانات الشفافة والمسؤوليات القانونية.

  • إلغاء المحاكمات الشعبية في القضايا الكبرى:
    المادة 381 تقضي بإلغاء المحلفين في قضايا الإرهاب وتهريب المخدرات والتهريب، مما يترك القرار بيد قضاة معينين من قبل الدولة فقط.
    على سبيل المثال: إذا اتُهمت بجريمة سياسية، فلن يحاكمك المواطنون بل قضاة تابعون للسلطة.

  • إخفاء التحقيقات عن الرأي العام:
    المادة 19 تعزز سرية التحقيقات، حيث تمنح للنيابة العامة، وليس للقضاة، الحق الحصري في التحكم في المعلومات التي يتم الإفصاح عنها.
    على سبيل المثال: إذا تم اعتقالك، قد لا تعلم عائلتك أو محاميك أو وسائل الإعلام أي شيء عن وضعك، بينما تسيطر الدولة على السرد الرسمي.

  • تهميش دور محامي الدفاع:
    بحسب عدة أحكام جديدة، منها المادة 128/2، قد يُمنع المحامون من الوصول الكامل إلى الملفات أو يحدّ من دورهم أثناء الاستجواب.
    على سبيل المثال: قد يُحرم محاميك من الاطلاع على الأدلة ضدك، مما يحوّل المحاكمة إلى مهزلة.

  • اعتقالك لمجرد انتقاد على مواقع التواصل الاجتماعي:
    بموجب القوانين الفضفاضة الخاصة بـ”النظام العام”، ستتمكن السلطات من اعتبار أي اعتراض إلكتروني “إرهابًا” أو “تهديدًا للأمن القومي”.
    على سبيل المثال: نشر نكتة عن التضخم أو انتقاد الرئيس قد يؤدي إلى سجنك لأسابيع دون محاكمة عادلة.

وزارة العدل تزعم أن هذا القانون الجديد “يُحدث” النظام القضائي الجزائري ليتماشى مع دستور 2020 والمعايير الدولية، متعهدةً بمحاكمات أسرع وحقوق أفضل للضحايا وأدوات جديدة لمحاربة الجريمة الإلكترونية.

غير أن الاتحاد الوطني لمنظمات المحامين (UNOA) يرفض هذه الادعاءات جملةً وتفصيلًا.
وفي رسالة رسمية إلى البرلمان، حذر من أن المواد 100 و49 مكرر 1 و19 و78 و23 و24 و381 مجتمعةً تهدم ضمانات المحاكمة العادلة، وتخنق الدفاع، وتمحو الرقابة الشعبية، وتمنح سلطات غير مسبوقة للنيابة العامة وقوات الأمن دون أي رقابة تذكر.

“هذا القانون يؤسس للخوف”، صرح مسؤول رفيع في الاتحاد، وأضاف:
“إنه يمنح الدولة غطاءً قانونيًا للتجسس والمصادرة والتشهير والسجن دون تمكين الأفراد من الدفاع عن أنفسهم.”

المنظمات الدولية بدورها تشارك هذه المخاوف. فقد أدانت منظمة العفو الدولية مؤخرًا “تصعيد القمع” في الجزائر، مشيرةً إلى اعتقالات تعسفية طالت صحفيين ونشطاء على خلفية احتجاجات سلمية عبر الإنترنت.
ويرى المراقبون أن هذا القانون الجديد لا يُعدو أن يكون تقنينًا لهذه الممارسات التعسفية.

في وقت تشهد فيه الجزائر احتقانًا شعبيًا عميقًا نتيجة لانفجار الأسعار، وتفشي البطالة، والجمود السياسي، يحذر الخبراء من أن إقرار هذا القانون لن يكون مجرد تغيير نظري، بل سيمس حياة كل مواطن بشكل مباشر: مكالماتك الهاتفية، حسابك البنكي، منشوراتك على “فيسبوك”، وحقك في محاكمة عادلة.

البرلمان سيواصل مناقشة هذا المشروع خلال الأسابيع القادمة.

ومن أجل إطلاع المواطنين الجزائريين على ما يخطط له البرلمان والنظام الجزائري في الخفاء، ونظرًا إلى ضعف التغطية الإعلامية المحلية، نضع بين أيدي قرائنا النسخة الكاملة من التقرير التمهيدي حول مشروع قانون الإجراءات الجنائية، المقدم خلال الدورة البرلمانية العادية 2024-2025 من قبل لجنة الشؤون القانونية والإدارية والحريات (المرجع A.T/2025/01/57 بتاريخ أبريل 2025)، بالإضافة إلى رسالة الاتحاد الوطني لمنظمات المحامين (UNOA)، الذي يضم أكثر من 60 ألف محامٍ جزائري، معبرًا عن قلقه العميق إزاء النص الحالي.

رابط التقرير التمهيدي حول مشروع قانون الإجراءات الجنائية: أنـقـر هـنـا

رابط رسالة الاتحاد الوطني لمنظمات المحامين (UNOA): أنـقـر هـنـا

الرهان واضح:
إما أن نعيش في ديمقراطية ناقصة،
وإما أن نستسلم لدكتاتورية مُقننة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى